إن القواعد التي تأسست عليها طاولة الحوار الوطني التي اطلقها رئيس الجمهورية تماثلت مع معايير طاولة العام 2006 ،والتي اعتمدت في العام 2007 ، تشوبها بعض النواقص،خاصة لجهة التمثيل ألطوائفي والحزبي،لأنها اعتمدت قاعدة التمثيل النيابي، ولأن كثيرا من القوى السياسية التي لم يفسح لها القانون الانتخابي وظروفه، الطريق لدخولها المجلس النيابي مع كل حضورها الشعبي ، وتأثيرها على الشارع أو الساحة السياسية، خاصة وأن العنوان الرئيسي المطروح للنقاش هو(الإستراتيجية الدفاعية)عن لبنان،وهذه القوى غير الممثلة في المجلس النيابي والحكومة وطاولة الحوار،قد شاركت ميدانيا بالدفاع عن لبنان خاصة ضد العدو الإسرائيلي، وكان لها من الشهداء والأسرى والجرحى والمعوقين،مما يؤهلها ويعطيها الحق بالمشاركة في صياغة هذه الإستراتيجية بينما تكافأ بعض القوى التي تعاملت مع إسرائيل بالجوائز الثلاث نتيجة ضرورات الوحدة الوطنية التي توجب عدم استثناء أي فريق لبناني.
بالإضافة أن الدفاع عن لبنان ليس واجبا انتقائيا أو كفائيا،إذا قام به البعض تطوعا أو واجبا، سقط عن الآخرين،بل أن الدفاع عن لبنان،واجب كل لبناني مهما كانت طائفته أو حزبه أو قدرته،والدفاع ليس عسكريا فقط بل يشمل كل قطاعات الثقافة والإعلام والاقتصاد،وحتى الذين قاموا،برد الاعتداء الإسرائيلي على بعض الأطباق اللبنانية،- والتي لا يأخذها لبعض بالجدية الكاملة- فإن معركتنا مع العدو الإسرائيلي معركة وجود ومعركة حول القيم الأخلاقية والإنسانية خاصة وأن الفتاوى الأخيرة للحاخام اليهودي(يتسحاق شابيرا) الذي يجيز قتل أي إنسان غير يهودي،حتى لو كان رضيعا،،ليبقى اليهودي حيا،دون اعتبار لطفل أو عاجز أو مظلوم،وقد ألبس الاحتلال وجرائمه،العباءة الدينية ،بحيث استدعى الفهم الديني الخاطئ للدفاع عن القتل والجريمة والاغتصاب،خلافا لحقيقة وجوهر الرسالات السماوية،مما يوجب على المؤسسات والمراجع الدينية أن تتصدى للدفاع عن القيم الدينية،وتصبح شريكا أساسيا في منظومة الدفاع الأخلاقية والإنسانية،وبما أن الحرب لها أكثر من وجه ووسيلة وأداة،فإن الأمن الاجتماعي للناس،الذي تهدده منظومة الفتاوى القاتلة والمنحرفة،والتي توجب تحصين الكيان الاجتماعي،وتضع على عاتق هيئات المجتمع الديني مسؤولية التصدي والتحصين،وإيجاد الوسائل التربوية والإعلامية والمادية، للدفاع عن لبنان شعبا ودولة ومؤسسات وقيما حضارية.
وإذا كان الدستور يحدد شروط وآليات التمثيل النيابي والحكومي،فلا يمكن تطبيق هذه الشروط على الحوار الوطني العام،الذي يجب أن يبدأ بعد التغيير الجوهري الذي شهده لبنان، سواء بانتهاء الحرب الأهلية،أو بإندحار الاحتلال الإسرائيلي،وانسحاب الجيش السوري من لبنان،ثلاثة ملفات حكمت المشهد السياسي في لبنان منذ السبعينات حتى اليوم،فإذا كان الميثاق الوطني المعمول به حاليا،بعد زوال الانتداب الفرنسي الذي ترك الغامه الطائفية والسياسية المهيأة للانفجار في أي لحظة،والتي عرضت لبنان لأحداث أمنية وسياسية وطائفية كادت تطيح بوحدة الكيان اللبناني،وتعرضه للتقسيم أو الفيدرالية التي لا زالت راسخة في رؤوس البعض وسلوكياتهم السياسية،فإن تغيير المشهد الأمني والسياسي في لبنان،يوجب التفتيش عن مضادات حيوية لعدم تكرار التجارب الماضية من احتلال أو حرب أهلية طائفية أو مذهبية،مما يستدعي مشاركة جميع اللبنانيين في صياغة المنظومة العسكرية والسياسية والتربوية والإعلامية،للاطمئنان إلى المستقبل السياسي لهذا الوطن،الذي يفهمه كل فريق وفق منهجيته وأهدافه والذي يصل إلى حد التناقض مع وجهات النظر الأخرى.
وبما أن رئيس الجمهورية يمتطي حصان التوافق والقرار الوطني،لم ترشحه طائفة أو حزب،بل أتكأ على الرأي العام الوطني،وطريقة إدارته للأزمات ويمثل دور الحكم التوافقي والهادئ غير المستفز،بل والواقعي،مما يحمله مسؤولية صياغة قواعد جديدة للمشاركة في طاولة الحوار الوطني لإشراك القوى الفاعلة والهيئات والشخصيات والتي تستطيع المساهمة بترشيد واغناء طاولة الحوار بالتجربة والأفكار،لأن الخطر يكمن في استبعاد هذه القوى مما يدفعها لتشكيل( جبهة معارضة)جديدة ضد طاولة الحوار الوطني مما يعقد الحوار وهدفه الأساس،ويجعل المتحاورين طرفا ضد بقية المستبعدين،مما يحدث انقساما جديدا في البنية السياسية اللبنانية،التي عمل الجميع لصهرها في حكومة الوحدة الوطنية،رغما عن كل الإرادات والرغبات والتحريض الخارجي.
ولأن السلاح الأقوى في مواجهة المشروع الصهيوني هو النموذج اللبناني المتعدد الثقافات والعقائد الدينية،الذي يواجه المشروع العنصري الصهيوني،وشعار(يهودية الدولة)،فإذا أنجزت القوى السياسية الانتخابات النيابية، وتشكيل الحكومة،والتي تظل محكومة بالمهل الزمنية الدستورية،التي لا تتجاوز الأربع سنوات،والتي لا تتغير إلا نتيجة ظروف استثنائية قاهرة،فإن الحوار الوطني إذا ما أنجز اتفاقا حول الملفات الخلافية والخطيرة خاصة التوطين والطائفية السياسية،والوحدة السياسية للكيان اللبناني،واللامركزية الإدارية،فإن الاستحقاقات الدستورية المقبلة تكون أكثر هدوء"،وفاعلية نتيجة ترسيخ ثقافة استمرارية الحكم،وليس انقلابا دوريا كل أربع سنوات مما يهدد الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي للشعب وبالتالي للمؤسسات الدستورية.
إن الاتهامات المتبادلة بين فريقي 8 و 14 آذار حول التدخلات الخارجية في الانتخابات النيابية،تفقد هذه الانتخابات شفافيتها وواقعيتها،وبالتالي يدخلها اللبنانيون عن قصد أو غير قصد وبشكل غير مباشر في الحوار الوطني،إذا اعتمد قاعدة التمثيل النيابي مما يفقده الصلابة والقوة،وتعرضه لتهشيم مقرراته من أللبنانيين المستبعدين.
لذا فعلى الجميع وبالتعاون مع رئيس الجمهورية ،تحييد الحوار الوطني عن التدخلات الخارجية لجهة توسيع مروحة المشاركة وتمثيل القوى والفرقاء السياسيين والتمثيل الطوائفي طالما ان النظام لايزال طائفيا ،وممثلين عن الإعلام الوطني الملتزم والذي يلعب دورا هاما في الدفاع عن لبنان وفضح مخططاته العدوانية ،ليكون بمثابة( مؤتمر وطني تأسيسي)، بامتياز من حيث الشكل والمضمون، وحتى لا ينبذ البعض نيابيا وحكوميا ووطنيا،وكأنهم مواطنون (قيد الدرس)الوطني،فالمواطنية تحتم الشراكة في بناء الكيان الوطني وحمايته ،وإلا سيبقى متنقلا من أزمة إلى أخرىمع كل الخسائر التي يحصدها الجميع.
د.نسيب حطيط